مقال رائع عن التعايش بين الاسلام والعلمانية في تركيا. - Hapress هابــريس

عاجل

تابعنا على فيسبوك

الجمعة، 1 يناير 2016

مقال رائع عن التعايش بين الاسلام والعلمانية في تركيا.


هابريس:
داخلَ متحف آيا صوفيا، الواقع في مدينة إسطنبول، قاعة فسيحة تشهدُ على علمانية تركيا. على سقف القاعة كُتبتْ أسماءُ الجلالة، وأسماءُ الرسل والصحابة، وفي الأسفل ينتصبُ منبر كانتْ تُلقى من عليه خُطب الجمعة، وعلى الجُدران صورة مريم العذراء وفي حضنها المسيح عيسى.

قبْل مجيء الخلافة العثمانية، كانَ هذا المكانُ كاتدرائية، وحينَ تولّى السلاطين العثمانيون الحُكم حوّلوا الكاتدرائية إلى مسجد. لم يتمّ هدمها، بلْ حافظت على هندستها ومعمارها، مع إخفاءِ كلّ الرموز التي تُحيلُ على الدين المسيحي، ومنها صورة مريم العذراء وفي حضنها ابنها عيسى عليه السلام.

وحينَ جاءَ مصطفى كمال أتاتورك، الذي حمَل لواءَ عَلمنة تُركيا بإزالة عبارة "دين الدولة هو الإسلام" من الدستور التركي، أمرَ بإزالة الطلاءِ الذي حُجبَتْ به صورة مريم العذراء، مع الاحتفاظ بأسماء الجلالة وأسماء الرسل والصحابة، ومنبر الجمعة، وهكذا صارَ المكانُ رمزا من رموز تعايُش الأديان في تركيا العلمانية منذ ذلك التاريخ.

هذا التعايُش ما زالَ ساريا إلى اليوم، ففي مدينة اسطنبول، وهي كبرى مُدن تركيا، التي يمثّل المسلمون غالبيّة سكّانها (98 بالمائة)، تظهرُ "العلمانية التركية" بشكل جليٍّ في كلّ ركنٍ من أركان المدينة. هنا توجدُ المساجدُ، جنبا إلى جنبٍ مع الكنائس، ويُمارسُ كلّ شخص شعائره الدينية حسب قناعاته دونَ إكراه، وفي احترام تامّ للآخر.

في شارع الاستقلال الراقي، الواقع بالجُزء الأوروبي من مدينة إسطنبول، ترتدي كثير من التركيّات "زيّا إسلاميا"؛ لباس طويل وعلى الرأس حجاب، لكنّ هذا لا يمنعُ من أنْ تُصادفَ شابّة تركية محجّبة تدخّن سيجارة؛ في الشارع نفسه ثمّة شبابٌ يعزفون مقطوعات موسيقيّة تركيّة، لاستجداء صدقات المارّة، وإلى جانبهم قواريرُ خمْر.

غيْر أنّ تعايُش الأديان في تركيا لم يأتِ بعد إقامة الدولة العلمانية على يَد أتاتورك، ففي شارع الاستقلال الراقي، توجدُ كنيسة هولندية، قالَ دليلُنا، بنوع من الاعتزاز، إنَّ السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، الذي تولّى الحُكم سنة 1876، هُوَ منْ رخّص بتشييدها حينذاك.

في تركيا العلمانية، يُمارسُ المتدينون شعائرهم الدينية كلّ حسبَ قناعاته. تُقرعُ أجراسُ الكنائس ويُرفعُ أذان الصلوات من مآذن المساجد. داخلَ جامع سليمان القانوني، وهو أحد أكبر الجوامع بإسطنبول، يُتلى القرآنُ عقبَ الإعلان عن أذان الصلاة. يرتدي الإمام زيّا تركيا تقليديا وعمامة، ويقرأ على الطريقة المشرقية. الجامع، الذي بُني في القرن السادس عشر، ما زالَ مُحافظا على متانة عمرانه، في الداخل والخارج.

وعلى الرّغم من أنَّ تركيا دولة علمانية، إلا أنَّ علامات التديّن تظهرُ على شعبها، من خلالِ النسبة الكبيرة للنساء اللواتي يرتدين الحجاب، ومن خلال عبارة "إن شاء الله"، التي تردّدها الألسن، وثمّة علامات أخرى، مثل يافطة "لا يوجد خمر في هذا المكان"، التي يحرصُ بعض أصحاب المطاعم على تعليقها على الواجهة، مكتوبة باللغة العربية.
هسبريس - محمد الراجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

$.each($('a[name]'), function(i, e) { var elem = $(e).parent().find('#postviews').addClas