المغرب...ما "للمخزن" وما للدولة. - Hapress هابــريس

عاجل

تابعنا على فيسبوك

السبت، 12 أبريل 2014

المغرب...ما "للمخزن" وما للدولة.





ادريس الكنبوري:

تعود كلمة المخزن في المغرب إلى القرون الماضية. ويوضح المؤرخون ـ مغاربة وأجانب ـ أن الكلمة لها جذور لغوية سرعان ما تم توظيفها في العمل السياسي لكي تعني الدولة المركزية في العاصمة وشبكة القواد والباشوات الذين يدورون في فلكها في الأطراف. تعني الكلمة المكان الذي تخزن فيه الحبوب(المطمورة)، وربما أطلقت من الناحية السياسية على الدولة في وقت من الأوقات بسبب أنها الجهة التي تغني أو تفقر(التتريك)، وتتحكم في رقاب العباد في العطاء وفي التجريد. وفي الرحلات الأوروبية إلى المغرب، خاصة الديبلوماسية الرسمية منها، كان الأوروبيون يفصلون بين المخزن، الذي يعنون به الدولة ومسؤوليها، وبين المجتمع والأشراف. وفي بعض الأحيان كانوا يتحدثون عن الملك (لوسوزوران) باعتباره قلب المخزن، أي رئيس الدولة في المفهوم الحديث، وكانوا يجمعون بين شكل الحكم في أوروبا والنمط الخصوصي للسلطة في المغرب في عبارتين هما"الدولة الشريفية".
بيد أن الكلمة لم يكن لها إيحاء سلبي، حتى من الناحية السياسية في كتابات الأوروبيين، ذلك أن الانتقال من الدولة في أوروبا إلى المخزن في المغرب كان انتقالا من نمط سياسي إلى آخر بشكل عادي يدخل في الاعتبار الخصوصيات الثقافية والدينية والسياسية، بمثل ما كان الانتقال يتم أيضا من الدولة إلى السلطنة في بعض بلدان المشرق. ولم تصبح صفة المخزن ذات مدلول سلبي إلا مع نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بسبب حالة الفوضى التي انتشرت في المغرب ومحاولة بعض زعماء القبائل أو شيوخ الزوايا إقامة مراكز نفوذ مستقلة تحت إمرتهم بعيدا عن السلطة المركزية للدولة، مما أدى إلى ظهور ثنائية سياسية جديدة في المغرب الحديث هي ثنائية المخزن والسيبة. فيما بعد صارت كلمة المخزن تعني القهر والسطوة، لأن النظام انتصر على الفوضى، والدولة المركزية على الأطراف.
غير أن هذه الثنائية القديمة بين المخزن والسيبة بعثت من جديد في مرحلة ما بعد الاستقلال، في الصراع الذي قام بين الدولة والمعارضة، والذي استمر حتى نهاية النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي. لقد ولدت ثنائية المخزن والمعارضة من رحم هذا الصراع. بيد أن المعارضة ظلت تتسم بنوع من الازدواجية حيال توظيف مصطلح المخزن، فعندما تريد الاقتراب من السلطة كانت تتحدث عن الدولة، وعندما تخاصمها كانت تستعمل كلمة المخزن. خرجت عبارة المخزن، إذن، من إطارها التاريخي المجمل ودخلت ساحة اللعبة السياسية.
بعد رحيل الحسن الثاني عام 1999 صرح محمد اليازغي، الذي كان وقتها كاتبا أول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بأن"المخزن مات". أثار تصريح اليازغي آنذاك الكثير من الاهتمام، لكن الذي لم يلتفت إليه أحد هو أن اليازغي نفسه كان أول من أراد تكريس الفصل بين المخزن والمؤسسة الملكية. كان اليازغي يعني بكلمة المخزن السطوة السياسية والقهر، وكان يقصد أن العهد الجديد بزعامة ملك شاب هو بداية الدولة الديمقراطية ونهاية دولة الاستبداد مع المخزن.
ونلاحظ أن كلمة المخزن اختفت بشكل شبه نهائي منذ الدستور الجديد عام 2011 وتشكيل الحكومة الحالية. فقد أصبح الكثيرون يستعملون مصطلحا بديلا هو"الدولة العميقة"، وهو مصطلح ولد مع الدولة الديمقراطية الرأسمالية والمجتمع الصناعي في الغرب، ويعني مراكز النفوذ الاقتصادي والمالي ـ بما في ذلك شركات الأسلحة وغيرها ـ أو اللوبيات الخفية التي تشتغل وراء الواجهة البرانية للدولة، وتتحكم في توجيهها أحيانا.
غير أن الكلمة عادت مؤخرا مع الدكتور حسن أوريد، الذي قال في ندوة هذا الأسبوع إن المخزن ليس هو الدولة والدولة ليست هي المخزن. نلاحظ هنا أن أوريد ـ الذي خبر دهاليز الدولة ـ يسعى إلى تكريس الفصل الذي حاوله اليازغي من قبل بين الدولة الحديثة ومؤسسة المخزن. الفرق هو أن اليازغي تحدث عن"موت"المخزن بينما يتحدث أوريد عن استمراره، في إطار صيغة للتعايش بين الإثنين مع احتفاظ كل منهما بخصوصيته. فأوريد يستبطن الدفاع عن مضمون جديد للعملية السياسية في المغرب: هي ضرورة التمييز بين الواقع التاريخي الثابت المتمثل في المخزن، والواقع السياسي المتحرك المتمثل في الدولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

$.each($('a[name]'), function(i, e) { var elem = $(e).parent().find('#postviews').addClas